یعانی المجتمع الإسلامی الیوم من أزمات فکریّه و سلوکیّه مختلفه. و ترجع جذور بعض هذه الأزمات إلی الإفراط و التفریط و الغلو و التطرّف و البعد عن الوسطیّه التی دعا إلیها الإسلام. و قد أدّی کل ذلک إلی انتشار الفرقه و الفتن و الصراعات القومیّه و المذهبیّه و الطائفیّه التی تحرم المجتمع عن الأمن و الاستقرار و الرخاء الاقتصادی و التقدّم العلمی و الصناعی. و لا یتخلّص المجتمع الإسلامی من هذه الأزمات الفکریّه و السلوکیّه إلاّ بالعوده إلی المنهج الوسط الذی رسمه القرآن الکریم فی التصور و الاعتقاد، و فی التفکیر و الشعور، و فی الأخلاق و السلوک، و فی الشعائر و الطقوس؛ المنهج الوسط الذی یربّی الفرد المسلم و الأسره المسلمه و المجتمع الإسلامی علی الأفکار السلیمه و الأخلاق الفاضله و القیم الصحیحه، و ینظّم العلاقات الاجتماعیّه علی أسس العدل و الإخاء و التسامح و الحوار. فالوسطیّه فی الفکر و السلوک هی رساله إنسانیّه عظیمه تخدم المجتمع و تسهّل أمر التعایش السلمی و التعارف الإنسانی بین مختلف أفراده و أطیافه، و تؤدّی إلی الأمن و الاستقرار و الرخاء و نبذ العنف و التطرف و الإرهاب. و یهدف هذا البحث إلی دراسه الوسطیّه فی الفکر و السلوک الإنسانی و دورها فی التعایش السلمی و نبذ العنف و التطرف فی المجتمع الإسلامی. و یتطرّق الباحث إلی هذا المهم من خلال دراسه بعض المعالم الأساسیّه فی هذا المجال مثل العدل، و التسامح، و الإخاء الإنسانی، و فقه الاختلاف.